من بلاغة العدد غير المقيد لمعدوده في البيان النبوي "دراسة تحليلية" أحاديث الصحيحين نموذجا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بکفر الشيخ

المستخلص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد کل عالم وتقي، وإمام کل رسول ونبي  سيدنا محمد - r - ... وبعد
فالإيجاز سمة البيان النبوي، وإحدى أظهر خصوصياته، بما أُعْطِيّ النبي- r - من جوامع الکلم، وبدائع الوصايا والحکم، " فإن الألفاظ في السنة النبوية الدالة على الأحکام الشرعية، والحکم الأدبية لا تزال المعاني المستخرجة منها غضة طرية على تکرر الأعوام وتطول الزمان، ومع ذلک فإنهم ما أحاطوا بغايتها، ولا بلغوا نهايتها([1])، وسيظل البيان النبوي مهما طال الزمن، وتبدلت الألسن والفطن، معينا لا ينضب، وطريقا لا يضل عليه هاد، ولا يعدم الخير فيه داع، ولا يغلق على الفهم منه باب عند قوم إلا لقلة معرفة منهم بلسان العرب وَغَوْرِ کلام النبي - r –،  ومن ثم وجه الباحثون والدارسون وجهتهم إلى أحاديث النبي-r– يبحثون عن موطن جمال الکلمة في موضعها، ودقة التعبير بها دون غيرها، وکذلک الجمل في البيان النبوي وما تحمله من جمال في سياقها وجلال في معانيها، ما لا يستطيع غيرها- مهما اجتهد المجتهدون- من أداء المعنى المراد لکونها خرجت من فِيِّ الصادق المعصوم - r –، الناطق بالحق، الهادي إلى سبيل الرشد، قصدا للوقوف على مراد الله من الخلق.
 و معلوم لدى علماء العربية أن "کل زيادة على أصل الجملة تحمل معها زيادة على أصل المعنى" وهذا من سنن العرب في أساليبهم  والجملة العربية تتکون من عنصرين أساسين: "مسند ومسند إليه"، وما زاد على ذلک إنما يأتي لقصد تأسيس معنى جديد في الأسلوب "فالکلام کلما زاد حکماً زاد تخصيصاً، وکلما زاد تخصيصاً زاد غرابة، وکلما زاد غرابة زاد إفادة"([2])،والقيد نوع من الزيادة الداخلة على الجملة قصداً لتکثير الفائدة وتأسيس معنى جديد وکلما زادت القيود في الجملة زاد معها فوائد الإسناد([3]).
وقد يذکر القيد في الکلام، ولا يکون الغرض منه تأسيس معنى جديد، أو مقيد للفعل ومخصص له، وإنما يکون ذکره لغرض بلاغي رمي إليه وأراده المتکلم من ذکره، وذلک کثير في لغة العرب وأساليبهم، لاسيما في أحاديث النبي - - r الذي أُعْطِيَ جوامع الکلم وفواتحه.
والعدد قيد يأتي في الکلام ليدل بمنطوقه ومفهومه على معدود حسابي معين، قيد أفراده فيه لا يتعداه إلى غيره، وهذا هو الأصل في استخدامه في الکلام، ومن ثم کان کثير الوجود في الأساليب العربية لاسيما في القرآن الکريم الذي نزل على طريقة العرب وأساليبهم في الکلام
ولکن قد يأتي العدد في الکلام بمنطوقه ولا يدل مفهومه على عدد معين، ولم يکن الغرض من ذکره الحصر أو قيد أفراد معدودة فيه، وإنما يأتي لغرض آخر رمت إليه البلاغة النبوية، وهذا کثير شائع في الأساليب العربية، کأن  تقول: نصحتک خمسين مرة، وزرتک ألف مرة، فالأعداد -هنا - لم يقصد بها ما يفهم من منطوقها العددي، وإنما ذکرت لغرض المبالغة في کثرة القيام بالفعل وتکراره لحد المبالغة فيه.
وقد لفتني هذا الأسلوب البلاغي في البيان النبوي في سياقات مختلفة؛ ومواقع متنوعة، لم يأت القيد فيها مؤسساً لمعنى جديد، أو مکثراً للفائدة فأردت دراسة تلک الظاهرة دراسة بلاغية تحليلية، فجاء هذا البحث بعنوان:("من بلاغة العدد غير المقيد لمعدوده في البيان النبوي أحاديث الصحيحين نموذجا").
وقد قام هذا البحث على دراسة السياقات النبوية المختلفة  التي وقع فيها العدد بتلک الصورة في البيان النبوي سواء کان الحديث في باب العبادات، أو الأخلاق والمعاملات، أو الحديث عن الفتن ومشاهد القيامة؛ ولذلک للوقوف على بلاغة هذا الأسلوب النبوي، وتحديد قيمته البلاغية في الکشف عن المعنى، والترکيز عليه، وتحقيقه، وتقريره، والوقوف على الغرض الذي من أجله سيق المعنى في صورة هذا الأسلوب لتدرک في النهاية بعضاً من بلاغة النبي  - r –  حين اتخذ هذا الأسلوب وسيلة في إظهار أهدافه، وتوضيح أغراضه. ثم کان الحديث عن العدد غير المقيد في البيان النبوي بين التأثر والتأثير، وبيان کيف تأثر النبي - r – بأسلوب القرآن الکريم في استخدامه لهذا الأسلوب، ومدي تأثر الصحابة ورواة الحديث وأصحاب التصانيف الحديثية ببلاغة النبي - r – في استخدامه لهذا الأسلوب العربي.



([1]) الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز – للإمام يحي بن حمزة العلوي : 2 / 245 – تحقيق محمد عبد السلام شاهين – طبعة : دار الکتب العلمية بيروت – 1415هـ 1995م  .


([2])  مواهب الفتاح ضمن شروح التلخيص: 2/ 32، 33ط دار الکتب العلمية، بيروت.


([3])  ينظر : الإيضاح في علوم البلاغة- للخطيب القزويني: 2/ 114 ت محمد عبد المنعم خفاجي  ط / دار الجبل-بيروت الثالثة 1414ه-993م.

الكلمات الرئيسية